من يصنع الوعي الجمعي في زمن السوشال ميديا لقاء مع المفكر المغربي سعيد بن سعيد العلوي حديث_العرب

من يصنع الوعي الجمعي في زمن السوشال ميديا: قراءة في لقاء سعيد بن سعيد العلوي

في خضم التحولات العميقة التي أحدثتها ثورة الاتصالات الرقمية، وفي قلب العصر الذي تهيمن فيه وسائل التواصل الاجتماعي على جوانب حياتنا المختلفة، يبرز سؤال ملح: من يصنع الوعي الجمعي؟ وكيف تتشكل قناعاتنا ومواقفنا في هذا الفضاء الافتراضي المزدحم بالمعلومات والأخبار والآراء المتضاربة؟

يقدم لنا لقاء المفكر المغربي سعيد بن سعيد العلوي، الذي بث على قناة حديث العرب تحت عنوان من يصنع الوعي الجمعي في زمن السوشال ميديا، مادة دسمة للتفكير والتأمل في هذه القضية المحورية. يحاول العلوي، من خلال تحليله العميق والمتشعب، تفكيك آليات تشكيل الوعي الجمعي في هذا العصر الرقمي، والكشف عن القوى المؤثرة فيه، والتحديات التي تواجهنا في سعينا إلى بناء وعي جمعي مستنير ومسؤول.

يبدأ العلوي بتحديد مفهوم الوعي الجمعي، مؤكداً أنه ليس مجرد تجميع بسيط لآراء الأفراد، بل هو كيان اجتماعي يتجاوز مجموع الأفراد المكونين له. الوعي الجمعي، في نظره، هو مجموعة القيم والمعتقدات والأفكار والمشاعر التي يشترك فيها أفراد المجتمع، والتي توجه سلوكهم وتحدد هويتهم. إنه الإطار المرجعي الذي يستند إليه الأفراد في فهم العالم من حولهم والتفاعل معه.

ثم ينتقل العلوي إلى تحليل دور وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل هذا الوعي الجمعي. يرى أن هذه الوسائل قد أحدثت ثورة حقيقية في طريقة تواصلنا وتفاعلنا مع العالم، وأتاحت لنا الوصول إلى كم هائل من المعلومات والأخبار والآراء. ومع ذلك، فإن هذه الثورة تحمل في طياتها مخاطر جمة، حيث أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أيضاً ساحة للتضليل والتلاعب والتأثير على الرأي العام.

يشير العلوي إلى أن أحد أهم التحديات التي تواجهنا في هذا العصر الرقمي هو انتشار المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة، والتي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على وعي الناس وقناعاتهم. ففي ظل غياب آليات التحقق والتثبت من صحة المعلومات، يصبح من السهل على الجهات المختلفة نشر الشائعات والأخبار الكاذبة، والتأثير على الرأي العام بشكل سلبي. ويؤكد العلوي على ضرورة تطوير مهارات التفكير النقدي لدى الأفراد، وتمكينهم من التحقق من صحة المعلومات قبل تصديقها ونشرها.

لا يقتصر دور وسائل التواصل الاجتماعي على نشر المعلومات المضللة، بل يتجاوز ذلك إلى تشكيل ما يسمى بـ غرف الصدى، حيث ينخرط الأفراد في نقاشات ومحادثات مع أشخاص يشبهونهم في الآراء والقناعات، مما يعزز تحيزاتهم ويجعلهم أكثر عرضة للتطرف والانغلاق على الآخر. ويشير العلوي إلى أن هذه غرف الصدى يمكن أن تؤدي إلى تفتيت المجتمع وتعميق الانقسامات بين أفراده.

بالإضافة إلى ذلك، يشير العلوي إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أيضاً ساحة للمراقبة والتجسس على الأفراد، حيث تقوم الشركات الكبرى بجمع كم هائل من البيانات عن مستخدميها، واستخدامها في توجيههم والتأثير عليهم. ويحذر العلوي من خطورة هذا الأمر، مؤكداً أنه يمكن أن يؤدي إلى تقويض الحريات الفردية وتقويض الديمقراطية.

لكن العلوي لا يقتصر على رصد المخاطر والتحديات، بل يقدم أيضاً بعض الحلول والمقترحات لمواجهة هذه التحديات وبناء وعي جمعي مستنير ومسؤول. يؤكد العلوي على ضرورة الاستثمار في التعليم وتطوير مهارات التفكير النقدي لدى الأفراد، وتمكينهم من التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة، والتحقق من مصادر المعلومات قبل تصديقها ونشرها.

كما يدعو العلوي إلى تعزيز قيم الحوار والتسامح والانفتاح على الآخر، وتشجيع الأفراد على الانخراط في نقاشات وحوارات بناءة مع أشخاص يختلفون معهم في الآراء والقناعات. ويرى أن هذا الأمر يمكن أن يساعد في كسر غرف الصدى وتجاوز التحيزات والانفتاح على وجهات نظر مختلفة.

بالإضافة إلى ذلك، يدعو العلوي إلى تطوير آليات فعالة لمكافحة المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة، وتنظيم عمل وسائل التواصل الاجتماعي، وضمان الشفافية والمساءلة في عمل هذه الوسائل. ويرى أن هذا الأمر يتطلب تعاوناً بين الحكومات والشركات والمجتمع المدني.

في نهاية اللقاء، يشدد العلوي على أن بناء وعي جمعي مستنير ومسؤول هو مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الجميع. فالأفراد يلعبون دوراً هاماً في هذا الأمر من خلال تطوير مهارات التفكير النقدي والانخراط في نقاشات وحوارات بناءة. والحكومات تلعب دوراً هاماً من خلال الاستثمار في التعليم وتنظيم عمل وسائل التواصل الاجتماعي. والمجتمع المدني يلعب دوراً هاماً من خلال التوعية والتثقيف ومراقبة عمل وسائل التواصل الاجتماعي.

إن لقاء سعيد بن سعيد العلوي حول الوعي الجمعي في زمن السوشال ميديا هو إضافة قيمة إلى النقاش الدائر حول هذه القضية المحورية. يقدم لنا هذا اللقاء تحليلاً عميقاً ومتشعباً لآليات تشكيل الوعي الجمعي في هذا العصر الرقمي، ويكشف عن التحديات التي تواجهنا في سعينا إلى بناء وعي جمعي مستنير ومسؤول. ويقدم لنا أيضاً بعض الحلول والمقترحات لمواجهة هذه التحديات وبناء مستقبل أفضل.

وباختصار، يمكن القول أن العلوي يرى أن الوعي الجمعي في زمن السوشال ميديا هو نتاج تفاعل معقد بين عدة عوامل، بما في ذلك المعلومات التي نتعرض لها، والمجتمعات التي ننتمي إليها، والقيم التي نؤمن بها. ولكي نبني وعياً جمعياً مستنيراً ومسؤولاً، يجب علينا أن نكون واعين بهذه العوامل وأن نسعى إلى تطوير مهارات التفكير النقدي والانفتاح على الآخر.

إن قيمة هذا اللقاء تكمن في قدرته على إثارة الأسئلة وتحفيز التفكير في قضايا جوهرية تمس حاضرنا ومستقبلنا. ففي زمن يشهد انتشاراً واسعاً للمعلومات المضللة والأخبار الكاذبة، وفي ظل تزايد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا، يصبح من الضروري أن نولي اهتماماً خاصاً لقضية الوعي الجمعي وأن نسعى إلى بنائه على أسس سليمة.